قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت حجة الوداع ، وبعدها نزل قول الله عز وجل:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3] , فبكى أبو بكر الصديق عند سماعه هذه الآية.. فقالوا له: "ما يبكيك يا أبا بكر إنها آية مثل كل آية نزلت على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟! ", فقال :"هذا نعي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - "وعاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - .. وقبل الوفاة بـ 9 أيام نزلت آخر أية من القرآن :﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [ البقرة : 281] , وبدأ الوجع يظهر على الرسول – صلى الله عليه وسلم - فقال : ( أريد أن أزور شهداء أحد )! فذهب إلى شهداء أحد ووقف على قبور الشهداء , وقال: ( السلام عليكم يا شهداء أحد، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وإني إن شاء الله بكم لاحق ) . وأثناء رجوعه من الزيارة بكى رسول الله - صلى الله عليه و سلم - قالوا: " ما يبكيك يا رسول الله"؟ , قال اشتقت إلى إخواني ) ,قالوا : " أولسنا إخوانك يا رسول الله "؟ , قال : ( لا أنتم أصحابي ، أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ) ..
** اللهم أنا نسألك أن نكون منهم **
وعاد الرسول وقبل الوفاة بـ 3 أيام بدأ الوجع يشتد عليه وكان في بيت أم المؤمنين ميمونة - رضي الله عنها - فقال: ( اجمعوا زوجاتي ) , فجمعت الزوجات ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - أتأذنون لي أن أمرض في بيت عائشة ) ؟ فقلن: "نأذن لك يا رسول الله" , فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملا النبي – صلى الله عليه وسلم - وخرجوا به من حجرة السيدة ميمونة إلى حجرة عائشة - رضي الله عنها - فرآه الصحابة على هذا الحال لأول مرة .. فيبدأ الصحابة في السؤال بهلع : "ماذا أحل برسول الله .. ماذا أحل برسول الله ". فتجمع الناس في المسجد وامتلأ وتزاحم الناس عليه .. فبدأ العرق يتصبب من النبي - صلى الله عليه وسلم - بغزاره , فقالت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - : " لم أر في حياتي أحد يتصبب عرقاً بهذا الشكل " . فتقول: "كنت آخذ بيد النبي وأمسح بها وجهه ، لأن يد النبي أكرم وأطيب من يدي" . وتقول :فأسمعه يقول: ( لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات ).. فتقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - : " فكثر اللغط ( أي الحديث ) في المسجد إشفاقاً على الرسول – صلى الله عليه وسلم -" فقال النبي : ( ما هذا ؟ ) .. فقالوا : " يا رسول الله ، يخافون عليك" . فقال احملوني إليهم ) .. فأراد أن يقوم فما استطاع فصبوا عليه 7 قرب من الماء حتى يفيق . فحمل النبي – صلى الله عليه وسلم - وصعد إلى المنبر... آخر خطبه لرسول الله و آخر كلمات له . فقال النبي: ( أيها الناس، كأنكم تخافون علي ) فقالوا : "نعم يا رسول الله" . فقال أيها الناس، موعدكم معي ليس الدنيا ، موعدكم معي عند الحوض .. والله لكأني أنظر إليه من مقامي هذا ! أيها الناس، والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم ) . ثم قال : ( أيها الناس ، الله الله في الصلاة ، الله الله في الصلاة ) بمعني أستحلفكم بالله العظيم أن تحافظوا على الصلاة ، وظل يرددها .. ثم قال أيها الناس، اتقوا الله في النساء، اتقوا الله في النساء ، أوصيكم بالنساء خيرا ) , ثم قال : ( أيها الناس إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله ، فاختار ما عند الله )فلم يفهم أحد قصده من هذه الجملة ، وكان يقصد نفسه . وأبوبكر – رضي الله تعالى عنه - هو الوحيد الذي فهم هذه الجملة ، فانفجر بالبكاء وعلي نحيبه ، ووقف وقاطع النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال : ( فديناك بآبائنا ، فديناك بأمهاتنا ، فديناك بأولادنا ، فديناك بأزواجنا ، فديناك بأموالنا ) وظل يرددها.. فنظر الناس إلى أبو بكر ، كيف يقاطع النبي .. فأخذ النبي يدافع عن أبو بكر - رضي الله عته - قائلاً أيها الناس ، دعوا أبوبكر ، فما منكم من أحد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به ، إلا أبوبكر لم أستطع مكافأته ، فتركت مكافأته إلى الله عز وجل ، كل الأبواب إلى المسجد تسد إلا باب أبوبكر لا يسد أبداً ) وأخيراً قبل نزوله من المنبر , بدأ الرسول – صلى الله عليه وسلم - بالدعاء للمسلمين قبل الوفاة كآخر دعوات لهم , فقال: ( أوآكم الله ، حفظكم الله ، نصركم الله ، ثبتكم الله ، أيدكم الله ) , وآخر كلمه قالها ، آخر كلمه موجهة للأمة من على منبره قبل نزوله , قال أيها الناس ، أقرؤا مني السلام كل من تبعني من أمتي إلى يوم القيامة ) .وحُمل مرة أخرى إلى بيته , وهو هناك دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك ، فظل النبي – صلى الله عليه وسلم - ينظر إلى السواك ولكنه لم يستطيع أن يطلبه من شدة مرضه. ففهمت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - من نظرة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، فأخذت السواك من عبد الرحمن ووضعته في فم النبي– صلى الله عليه وسلم - ، فلم يستطع أن يستاك به ، فأخذته من النبي وجعلت تلينه بفمها وردته للنبي– صلى الله عليه وسلم - مره أخرى حتى يكون طرياً عليه , فقالت :"كان آخر شيء دخل جوف النبي هو ريقي ، فكان من فضل الله علي أن جمع بين ريقي وريق النبي قبل أن يموت " .
تقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - : " ثم دخلت فاطمة بنت النبي– صلى الله عليه وسلم - ، فلما دخلت بكت ، لأن النبي– صلى الله عليه وسلم - لم يستطع القيام ، لأنه كان يقبلها بين عينيها كلما جاءت إليه " , فقال النبي– صلى الله عليه وسلم - أدنو مني يا فاطمة ) , فحدثها النبي في أذنها ، فبكت أكثر ! فلما بكت , قال لها النبي – صلى الله عليه وسلم - أدنو مني يا فاطمة )فحدثها مرة أخرى في أذنها فضحكت ! وبعد وفاته سُئلت ماذا قال لك النبي – صلى الله عليه وسلم - فقالت : "قال لي في المرة الأولي : ( يا فاطمة ، إني ميت الليلة ) فبكيت ، فلما وجدني أبكي قال : ( يا فاطمة ، أنتي أول أهلي لحاقاً بي ) فضحكت ". تقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - :ثم قال النبي : ( أخرجوا من عندي في البيت ) وقال : ( أدنو مني يا عائشة ) فنام النبي على صدر زوجته ، ويرفع يده للسماء ويقول : ( بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى ) ... تقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: فعرفت أنه يخير , دخل جبريل على النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال : " يا رسول الله ، ملك الموت بالباب ، يستأذن أن يدخل عليك ، وما استأذن على أحد من قبلك " , فقال النبي ائذن له يا جبريل ) فدخل ملك الموت على النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال : " السلام عليك يا رسول الله ، أرسلني الله أخيرك ، بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله ". فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - بل الرفيق الأعلى ، بل الرفيق الأعلى )ووقف ملك الموت عند رأس النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال : ( أيتها الروح الطيبة ، روح محمد بن عبد الله ، أخرجي إلى رضا من الله و رضوان ورب راض غير غضبان ) . تقول أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها -: " فسقطت يد النبي – صلى الله عليه وسلم - وثقلت رأسه في صدري ، فعرفت أنه قد مات , فلم أدري ما أفعل ، فما كان مني غير أن خرجت من حجرتي وفتحت بابي الذي يطل على الرجال في المسجد وأقول مات رسول الله ، مات رسول الله ". تقول: " فانفجر المسجد بالبكاء, فهذا علي بن أبي طالب أقعد، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يؤخذ بيده يمنى ويسرى وهذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - يرفع سيفه ويقول : " من قال أنه قد مات قطعت رأسه، إنه ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه وسيعود ويقتل من قال أنه قد مات ". أما أثبت الناس فكان أبوبكر الصديق - رضي الله عنه - دخل على النبي – صلى الله عليه وسلم – واحتضنه وقال : " وآآآ خليلاه ، وآآآصفياه ، وآآآ حبيباه ، وآآآ نبياه ". وقبل النبي – صلى الله عليه وسلم - وقال: "طبت حيا وطبت ميتا يا رسول الله ". ثم خرج يقول : " من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت " ...ويسقط السيف من يد عمر بن الخطاب ، يقول: " فعرفت أنه قد مات " !! ويقول: " فخرجت أجري أبحث عن مكان أجلس فيه وحدي لأبكي وحدي " . ودفن النبي و فاطمة – رضي الله عنها - تقول : " أطابت أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه النبي – صلى الله عليه وسلم - " , ووقفت تنعي النبي – صلى الله عليه وسلم - وتقول: " يا أبتاه ،أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه " .